أسباب سقوط نظام بشار وتحديات المعارضة السورية القادمة
المؤلف: بشرى فيصل السباعي10.29.2025

كيف انهار نظام بشار الأسد فجأة ودون قتال يذكر بعد عقد ونيف من القصف المتواصل على المدن السورية وبمساندة حلفائه الأقوياء؟ يكمن الجواب في تصريحات متطابقة من وزير الخارجية الإيراني ومسؤول رفيع المستوى في الكرملين، حيث أرجع كلاهما سحب الدعم عن نظام الأسد إلى انسحاب الجيش السوري المفاجئ وعزوفه عن القتال. وأكد المسؤولان أنه لم تعد هناك جدوى من تقديم أي مساعدة طالما أن الجيش السوري نفسه لا يبدي رغبة في الدفاع عن النظام، وهو ما يذكرنا تمامًا بما حدث في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي، حيث أحجم الجيش الأفغاني المدعوم أمريكياً عن مواجهة حركة طالبان، وسلمها السلطة طواعيةً بعد عقدين من الدعم والتدريب والتسليح المكثف.
وهذه عبرة تاريخية راسخة؛ إذ لا يستطيع الحلفاء فعل شيء لإنقاذ نظام يتخلى عنه أنصاره ويرفضون القتال من أجله. فالحلفاء، بمنطق البراغماتية، لا يراهنون على حصان خاسر، ويسارعون إلى التخلي عن حليفهم المهزوم لعقد صفقات جديدة مع القوى الصاعدة، حفاظًا على مصالحهم الاستراتيجية العليا. هذه هي الطريقة التي تسقط بها الأنظمة عادةً. أما عن نجاح المعارضة السورية في تولي السلطة، فهو رهن بسلوكها المستقبلي وتطور وعيها بعيداً عن النموذج المتطرف الذي تتبناه داعش، والذي من المستحيل أن يتقبله الشعب السوري بأطيافه المتنوعة.
فالشعب السوري لن يرضى بنموذج داعش الذي يشتهر باختطاف واغتصاب واستعباد نساء الأقليات والاتجار بهن في أسواق النخاسة، ويتلذذ بأساليب القتل المروعة وتصويرها بشكل دعائي رخيص، وملء الشوارع بالجثث والرؤوس المقطوعة، وتدريب الأطفال على ذبح البشر بوحشية، بالإضافة إلى التورط في هجمات إرهابية في مختلف أنحاء العالم، من الشرق إلى الغرب، والتي طالت حتى المساجد ودور العبادة، وتحريض المراهقين على قتل آبائهم وأمهاتهم إذا رفضوا الانضمام لداعش، باعتبارهم مرتدين عن الدين.
إذن، لكي تنجح المعارضة في الحلول محل النظام المخلوع وتحظى بالقبول المحلي والدولي، يجب أن تتبنى نموذج الدولة الحديثة المتحضرة الديمقراطية المسالمة، وأن تنبذ سياسات الانتقام والتصفيات الطائفية والثأر، وأن تعتمد في القصاص على الجرائم التي ارتكبها النظام خلال الثورة وما قبلها، منذ أحداث تدمير حماة عام 1982، على تقديم المتهمين إلى المحكمة الجنائية الدولية. يجب أن تركز المعارضة على تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين لتحفيز اللاجئين على العودة إلى وطنهم، لأنه حتى زوال النظام لن يشجع اللاجئين على العودة ما دامت الكهرباء لا تتوفر إلا لساعتين في اليوم. فمعضلة الجماعات الإسلامية تكمن في أن كل تنظيرها ومشاريعها تقوم على فرض الهيمنة العالمية عبر العمليات الإرهابية والعنف، وليس من ضمن أجندتها تحسين الأوضاع المعيشية لأبناء جلدتهم، ولذا لا تحظى بأي تأييد حقيقي يذكر في العالم الإسلامي.
حتى الآن، يبدو سلوك المعارضة السورية ناضجاً ومتحضراً وإيجابياً إلى حد كبير، وبهذا تكسب التأييد الشعبي والعالمي. ومن الفوائد الجمة لسقوط نظام بشار سيكون توقف طوفان المخدرات الذي أغرق المنطقة العربية وكان يشكل أحد المصادر الرئيسية لتمويل النظام، على غرار ما حدث في أفغانستان بعد سقوط النظام المدعوم أمريكياً الذي كان متورطاً في تجارة المخدرات على نطاق واسع. من مصلحة المنطقة بأسرها أن تستقر سوريا وتتحرر من سلطة الجماعات المسلحة التي تسيطر على مدن بأكملها، لأن هذا الواقع يبقيها بؤرة لتفريخ الإرهاب وتصديره إلى الخارج. ولذا، يجب على الدول العربية تقديم الدعم المكثف لسوريا لتتحول من حكم الجماعات إلى حكم الدولة الموحدة ذات السيادة، وهذا يتطلب المساعدة في إعادة الإعمار، وتوفير فرص حياة كريمة للمواطنين، لأن الكثيرين انضموا إلى هذه الجماعات لأنها كانت العمل الوحيد المتاح لهم للحصول على دخل مادي. يجب تجنب تكرار سيناريو دعم جماعات متنافسة بهدف إطالة أمد الحرب الأهلية وتقويض فرص السلام والاستقرار، كما حدث في دول عربية أخرى. ولذا، يجب أن يكون هناك موقف عربي حازم ضد كل ما يقوض جهود السلم والاستقرار في سوريا.
